كان جمود الآداب جزءاً من الجمود المطلق في ظل الكنيسة، حيث كان العلم -وبالأصح معرفة القراءة والكتابة- منحصراً في رجال الدين، وأسوأ من ذلك أنه كان بلغة ميتة "اللاتينية"، وهي لغة معقدة الأسلوب والقواعد في حين كانت
أوروبا تتكلم لهجات كثيرة متباينة.
أما المعايير الفنية للأدب والبلاغة والشعر والمسرح فكلها مصفَّدة بآراء
أرسطو ونظرياته، وغاية العبقرية والإبداع والتجديد أن يستنبط الأديب أو الناقد من كلام
أرسطو شيئاً أو يفرع عليه آخر، أما الخروج عليه فهو المحال.
فالملحمة -وهي التي ينعى الأوروبيون على أدبنا العربي خلوّه منها- ظلت خلال القرون الوسطى والعصر الحديث محكومة بتلك القواعد المتـزمتة والتقاليد الثابتة، ومنها ضرورة الاستهلال بالتضرع إلى أرباب الشعر مثل:
كليوبي، فالشاعر الإغريقي
هوميروس يتضرع إليها في ملحمته، وكذا تضرع صنوه
هزيود، وعلى إثرهما نجد "
دانتي" المسيحي يتضرع إلى
أبولو (إله الشعر) في الكوميديا، وكذلك تضرع
ميلتون إلى
أورانيا (ربة علم الفلك) في ملحمته
الفردوس المفقود!! تعالى الله عما يشركون.
وفي الشعر نجد التقيد المطلق بما ورثه القدماء في المضمون والشكل، ومن ذلك الالتـزام بالمقاطع وعدد الأبيات في كل مقطع وعدد التفعيلات -أيضاً- أما النقد فكان ما قرره
أرسطو هو المعيار الدقيق، وكانت المحاكمات الأدبية تتخذ كلامه دستوراً.
وهكذا لم تكن
الكلاسيكية إلا تعبيراً واضحاً عن اعتقاد
أوروبا الكمال المطلق لعمالقة الفكر الإغريقي، وعلى رأسهم
أرسطو.